• ×

كويتُ يا كويت

كويتُ يا كويت
التعليقات المعتمدة : 0 تعليقات | : 742 مشاهدة
عندما تعبث بي الأيام فأراني أحمل على كاهلي أثقالاً من الالتزامات والمهام، أحتاج حينها لقضاء وطر حاجة فطرية للتخفف، أتخفف من أمور تجعلني أثقل وأقرب إلى الأرض، بعد أن رزحت تحت سيل من جيوش الملل، وأترك مطاردة الأيام التي تنسج من حولي خيوطاً تشد وثاقي كأنها حبائل من شيء يسمونه الروتين الذي أعتبر الأمر السام الذي يملأني بالسأم. وبينما أنا هناك، على هذا الحال، في ذلك المكان القاحل من أي متعة، أسمع تلك الفاتنة، تناديني الحسناء من نافذة قريبة، حسناء فاق بياضها البياض اللؤلؤي أو قارعه، وزهوها الذي له لون الورود في البراري البكر، ورقبتها من بعيد فكانت كالتي استدارت كلها وكأنها أقمار مركّبة في كل عضو من أعضاءها. أبصرت من بعيد نافذة من دفء، ومنفذاً لهواء بارد منعش، وصوتاً ينادي، نادتني في نوفمبر الماضي، واستجبت، نادتني الكويت، هذه الكويت، على مدى سنتين، باتت بالنسبة لي هي الإجازة القريبة، الانعتاق من نظام الرياض، إلى سماحية المكان الجديد، والبحر، والسماء الصافية، فعلاً وجدتني أردد في صوتي استجابة لتلك الحسناء، حان الشتاء، فهيا إلى الكويت. اعتدت أن أشد الرحال في نوفمبر مع تباشير الشتاء نحو تلك الديار الكريمة، ومعرض الكتاب يجري في ذلك الأسبوع الأخير من نوفمبر وهذا هو سبب إضافي لهذه الفكرة. أقتنع بالفكرة أكثر لأني أزورها خفيفاً جداً، وحيداً، وحقيبة صغيرة بلون الخليج العربي “ذات عجلات أربع” طوح يدي يدي، أبدأ الرحلة عصر الخميس وأعود مساء السبت، نهاية أسبوع كالجملة المعترضة في سيل الأيام التي تخترقني مثل السهام. أذهب هناك وألتقي بابن عمي، مرح وممتليء بالضحكات والكلمات الجديدة وهو كريم حقاً، رفيق لي من أيام الصبا، وأشترك معه بالذكريات، وكيف لا تتواصل مع شخص تمتلك معه كل تلك الذكريات، أجد أن أي شيء أو أحد لك معه ذكريات يستحق أن تواصل زيارته. ثم إن الكويت تلتهب في داخلي صورتها منذ الأيام التي زرتها، يوم كنت هناك، في تاريخ ما، ١٩٨٦ أو ١٩٨٨، بثوبي الشتوي، وأظافري الناعمة، وشعري القصير المسرّح، من اليسار لليمين، حتى اليوم، ورأيت البحر والبرد، وكنت ذاك العلي الصغير الذي يقتحم عامه الرابع بكل اندفاع ممكن، والذي يختبئ، حياءً، أسفل نافذة الكرسي الخلفي في السيارة لأنه رأى إمرأة تقود سيارة! ثم أدمن النظر إلى هذا المشهد. الكويت أُحبها، لأني حديثي يتشابه مع الأحاديث هناك، أستطيع مخاطبة الكويت، فأقول بلساني الأصلي ولا أوارب فيه: شخبارچ؟ شلونچ؟ أحبچ! أما الرياض،فهي فيها من الصلف البدوي ما يجعلها لا تلقي لي بالاً لو فتحت باب حوار، فضلاً على أن أخاطبها بهذه الجيم المعطشة، وحُق لها، هذه المدينة البرية التي آلفها، وكم من منزل يألفه الفتى ومرده أبداً لأول منزلِ، ففيها أهلي، وذكريات طفولتي، وهي رياض قلبي، لكن مع هذا فالكويت لا تموت في قلبي. إذاً، فلقد زرت الكويت، ومعرض كتابها، وصورت العديد من مقاطع الفيديو بكاميرا الآيفون الفيديوية المذهلة، ثم قمت بمونتاج بسيط أحببت أن أوثق به الزيارة، ولربما كان طويلاً أو غير محبوك بعناية، لكنني لست بالخبير، لكنه لمحة وذكرى عفوية، وما كان جميلاً لا يرحل، كما قلت أكثر من مرة.