• ×
meabdullatif

في سبيل الذات

أحمد فتى في مستهل عمره عاش صباه لا يفقه في أمور الحياة إلا اللعب والمرح والتنزه مع رفقاءه ليلا ونهار , أهله غارقون في مشاغل الحياة المادية فالأب صاحب ثروة ضخمة ومن أصحاب الملايين في البلاد، وأمه من سيدات المجتمع التي تهتم بالأزياء والموضة ، وأخوته الصغار مع المربين والخدم في جميع أوقاتهم حتى أوقات السبات , ولا يعلمون عن أبنهم أحمد سوى أنه يدرس بالمدرسة ويذهب يوميا لها وله بعض الرفقاء . هل هم رفقاء مخلصون ؟؟ أوفياء , لا يفعلون السوء. بدء أحمد حياته مع الدراسة مع أولئك الرفقاء من خلال المرحلة الابتدائية , وتدرج معهم إلى المرحلة المتوسطة ، وكان معهم في المدرسة وفي خارجها , يضربوا هذا , ويكسروا قلم ذاك , يعبثوا في حاجيات الأساتذة، وعرفوا في المدرسة بذلك، ونسوا تماما أنهم جاءوا لكي يتعلموا ويستفيدوا من شهادتهم في المستقبل,عرفهم جميع طلاب المدرسة على أنهم طلاب جاءوا ليقضوا وقتهم في اللهو ومجيئهم مجرد إرضاء لأهاليهم . حاولت إدارة المدرسة نداء أب أحمد بشتى الطرق ، عن طريق الجيران , والمحادثات الهاتفية , ولكن دون جدوى فالأب منطمس في أعماله وتاركا أبنه دون رقيب أو حسيب , وكان يعلل بأن أحمد سيكون يده اليمنى في أعماله مازال أحمد يسير في طريقة السيئ حتى أصبح شخصا غير مرغوب فيه في القرية ، والجميع لا يحبذون الجلوس معه أو حتى النظر إليه . رفقاء أحمد كانوا يطلبون المزيد من المال ، لكي يمتعوه بمغريات الدنيا على حد قولهم ، فيصرفوا المزيد منها لذاتهم كشراء الملابس الباهظة الثمن ، والقليل منها في التدخين وبعض الأمور التافهة كالسهرات المفسدة وغيرها وصار أحمد أشبه بالبنك لهم الذين يزودهم بالمال متى ما أرادوا ، وأستمر الحال على ذلك فترة طويلة أسفرت عن فصل أحمد من المدرسة وبقي متسكع في الشوارع مع رفقاء السوء ، ولا ينتهي يوم إلا وهو فيه في مركز الشرطة , يخرجوه عندما يعرفوا أسم والده...!!! . أيام قليلة وأصبح أبا أحمد أسير الفراش بعد إفلاسه وتراكم الديون عليه, وظل ملازما للفراش أسابيع طويلة والكل من حوله اختفى ورفض مساعدته . أصبح مرض أبا أحمد هو حديث جميع الأوساط والكل يتحدث عن ما حل به من خسارة لأمواله وتراكم الديون علية ،علم رفقاء أحمد بذلك وأيقنوا بأن زمن البذخ والعز انتهى وأحمد الآن لا يعني لهم شيئا حاول أحمد البحث عنهم ليقفوا بجانبه في محنته الصعبة ولكن دون جدوى ، كل ما سئل عنهم أحد قال أنهم مسافرون , لا حظ أحمد التغير الذي طرأ على رفاقه بعد حادثة أبيه التي أُشهرت في البلاد وعرف متأخرا أنهم كانوا بجانبه لغرض المال الذي يسلمهم إياه بين حين وآخر , تندم كثير على ما فعله معهم فهو الآن صفر اليدين ، لا مال يستطيع العيش منه ، ولا شهادة يستطيع بها الحصول على عمل مناسب يساعده فيه أبيه جليس الفراش وأمه وأخوته الذين أصبحوا في حالة يرثى لها ، الجميع يعتمد عليه وهو وحيد لا رفيق ينصحه ولا أسره تحتويه , قرر أحمد البحث عن ذاته ولابد من إيجاد هويه له , لا بد من مهنة أو حرفة يصارع بها عقبات الدنيا. بدء أحمد بتلميع أحذية المارة في الطريق كخطوة تمنحه قوت يومه ، وتعرض لمواقف رهيبة , فالبعض ينظر له نظرة دونية ونظرة احتقار على ما كان عليه أيام صباه وغطرسته , والبعض الآخر شد من أزره في الكسب الحلال ووقف بجانبه وقفة لا تنسى. انقضت عدة شهور على عمل أحمد، وبعدها استطاع أحمد بإخلاصه في العمل وتفانيه من أجله ، أن يفتتح محلا لبيع وصناعة الأحذية , شيئا فشيئا تغيرت نظرة بعض من هاجمه في بداية أمره وتفهموا أنه كان صبيا وفي فترة مراهقة الكل قد وقع في مساؤها ،وأصبح شخصا محبوبا في القرية والكل يتعظ بما حدث له, وبعد عام من مسيرته في عمله أصبح يمتلك أكبر مصنع للأحذية في البلاد يصدر للخارج وأعاد أسم أبيه الذي سقط مع أيام الزمن وقسوته الذي لا يرحم. كان أحمد بجاني جالس وهو يحكي قصته الغريبة ، التي تعلم منها كيفية اختيار أصدقاء يعرفون معنى الإخلاص والوفاء والتضحية ، ولا بد من إعطاء أنفسنا فرصه لتظهر ما تكمنه من مواهب وإبداعات قد تختفي مع مرور الزمن . فلنتعلم من أحمد وقصته كيف هي التضحية في سبيل الذات ومدى أهمية اختيار الصديق وكيفية تأثيرها على سلوك الإنسان ( على كل إنسان أن لا يفوت كل دقيقة من عمره)
بواسطة : meabdullatif
 0  0  655