• ×
meabdullatif

جراحات التجميل بين العلم و الإيمان

واقع جراحات التجميل

حالات تجميل مقبولة

بين التجميل وعلاج النفس

بعض آراء العلماء

موقف الإسلام من عمليات التجميل

التجميل صناعة وخيال في ذهن كثير من النساء ، يسعى بعضهن لمزيد من الجمال لتعجب زوجها ، ويسعى البعض الآخر للرضى عن خلقتهن. وامتدت محاولات الإنسان للتحايل على هيئه لتشمل الرجال والنساء، فتزداد حالات الإقبال على إجراء جراحة التجميل. وقد أظهرت دراسة أن معدل إجراء هذه الجراحات ازداد بنحو ثمانية أضعاف على مدى السنوات العشر الماضية.
واقع جراحات التجميل: د. محمد أحمد الروبى:
وأوضحت الدراسة لجراحة التجميل أن أكثر الجراحات شيوعًا هي عمليات شفط الدهون، وإزالة ترهلات البطن بالإضافة إلى عمليات إزالة الطبقة السطحية من جلد الوجه باستخدام مواد كيميائية؛ لكي يبدو الوجه أصغر سنًّا، كما أن عدد جراحات تضخيم الثديين ارتفع بنحو ستة أضعاف على مدى العشر سنوات الأخيرة وشهدت جراحات تصغير الصدر للرجال زيادة مماثلة.

وترجع الدراسة هذه الزيادة في الإقبال على جراحات التجميل إلى عدة عوامل، منها: زيادة نسبة كبار السن في توزيع السكان، ارتفاع الدخول، وكذلك فإن الأساليب الجديدة لجراحات التجميل جعلتها أسهل وأسرع، مما دفع الكثير للإقبال عليها دون خوف من التعرض لآلام مبرحة أو فترات نقاهة طويلة.

فهل جراحات التجميل هي ترف تافه أم حاجة حقيقية عضوية أو نفسية؟ وكيف يرى الأطباء العرب جراحات التجميل، وما هي نظرة العلماء؟



جراحة التجميل تخصص دقيق يختلف عن تخصص الجراحة العامة، ويتعامل جراح التجميل مع الأنواع الآتية:

١ - الجراحات التجميلية:

أ*- تغيير شكل الأنف و الأذن، وتوسيع محجر العين أو تضيقه، وشد الوجه.

ب*- زراعة الشعر و علاج تساقطه.

ت*- جراحات الترهُّل والسمنة المفرطة وتضخم الصدر والأرداف المفرطة بشفط الدهون (الشحوم) أو العمليات الجراحية لشد الترهلات.

ث*- تكبير الصدر أو تنحيفه وكذلك الأرداف سواء بزرع أجهزة تناسب العضو المراد تكبيره مثل الثدي مثلاً.

ج*- تصغير الثدي للرجل (جاينيكوماستيا).

٢ - الجراحات التكميلية:

أ*- لعلاج التشوهات التي يولد بها الطفل: مثل الشفاه الأرنبية، وشق سقف الحلق، و تشوهات الجمجمة والوجه.

ب*- جراحات إعادة بناء النسيج أو العضو: مثل اليد المتهتكة في الحوادث أو الثدي بعد استئصاله.

٣ - الجراحات الإصلاحية:

أ*- إصلاح الأنف المكسور نتيجة المشاجرات أو الحوادث.

ب*- إزالة آثار التشوهات و الندبات من جراحات سابقة، وذلك نتيجة لنمو الأنسجة الجلدية بصورة غير طبيعية مما ينتج عنه تشوه.

٤ - الجراحات الميكروسكوبية:

أ*- زرع الأطراف.

ب*- نقل الأنسجة و العضلات.

ت*- زراعة الكبد.

ث*- جراحات الأوعية الدموية.

ج*- جراحات الأعصاب الطرفية.

٥ علاج الحروق:

أ*- علاج الحالات الحرجة من الحروق الشديدة.

ب*- جراحة الحروق وتشوهات الكوارث سواء بعلاجها باستعمال زراعة الجلد (من نفس الشخص) أو من خارجة لاستبدال الجزء التالف أو المشوَّه.



وعن حكم جراحات التجميل إن في أوروبا وأمريكا تكثر فيها عمليات التجميل غير الضرورية التي تنحصر في حب تغيير الشكل، والانسجام مع النموذج الذي تعممه هوليود أو وسائل الإعلام؛ إذ كثر الحديث عن محاولات الإناث لنفخ الشفاه على شاكلة النجمة الأمريكية فلانة أو علانة ومشابهة نجوم الرياضة وغيرهم، وهي في جوهرها غير أساسية ولا ترتبط بإخفاء العيوب، أو معالجة مشكلات في الجسم.

في مصر و الدول العربية بدأت عمليات التجميل تنتشر بالشكل الذي هي عليه في أوروبا وأمريكا، والمتمثلة في تعديل أجزاء هي أصلاً سليمة وطبيعية جدًّا في الجسم.


حالات تجميل مقبولة:
أن هناك الكثير من الحالات الوسط المشروعة، فلا هي طبية جراحية ولا هي من باب التشبه بالشكل الغربي، و الجراحة التجميلية هي إحدى الجراحات المتفرعة عن تخصص الجراحة العامة، وهي جراحة متخصصة كجراحة العيون، وجراحة القلب وغيرها.

الجوهر الأساسي في الموضوع ما نسميه بالجراحة التعويضية بحيث يتم تعويض النقص في أي مكان أو أي جزء من أجزاء الجسم، فإن الجراحة التعويضية أو التكميلية أو التقويمية - وكلها معانٍ لشيء واحد - تُعَوِّض النقص الحاصل في هذا الجزء.

طبعاً النقص أو التشوه الموجود له أسباب عديدة منها ما يولد مع الإنسان، ومنها ما هو ناتج عن السرطانات والأورام الخبيثة، ومنها ما ينتج عن الحوادث والحروق وخلافها.

هذا بالنسبة للجراحة التجميلية بشكل عام أما أقسامها فهي عديدة، مثل: جراحة الوجه والفكين، جراحة أخرى هي جراحة اليد. هناك أيضاً الجراحة المجهرية أو الميكروسكوبية، وجراحة أخرى هي جراحة التجميل لكن هذا الفرع طغى على باقي الفروع، والناس أضفت سمته على الجراحة التجميلية، ويقوم الناس هنا بتعديل أجزاء من الجسم هي أصلاً طبيعية، ولكن لديه رغبة في تعديلها كشد البطن والوجه وشفط الدهن ، لكن أغلبية العمليات التي يتم إجراؤها هي في أساسها تعويضية وضرورية.

لقد قال سبحانه وتعالى: \"وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم\"، وسبق أن أشرت إلى أن أحد مسميات هذا العمل العمليات التقويمية، والله خلق الإنسان في أحسن خلقة، لكن نتيجة لظروف معينة أو أمراض معينة يفقد الإنسان جزءاً من أعضائه، ونحن نرمم هذا الجزء ونحاول إرجاعه إلى طبيعته وإعادة الجمال له.

والأصل في الخلقة أن تكون جميلة، والناس أخذت فكرة خاطئة عن الموضوع وأدخلته في باب الحلال والحرام. نحن لا نقوم بعمل محرم شرعاً، فمثلاً شخص ما لديه انحراف أو اعوجاج في الأنف، وأصل الخلقة أن يكون الأنف طبيعيًّا مستقيماً، ونحن إذا عدلناه للأصل الطبيعي والشكل الجميل، فإننا لا نغير شيئًا في خلقته. ونحن لا نعالج فقط الناحية الشكلية في الموضوع بل الناحية النفسية لدى المريض الذي يتأثر، وربما أيضاً الآخرون من حوله بعيوبه التي تُوَلِّد النفور لدى الآخرين منه. عندما نحل هذه المشكلة نحل عقدة لدى المريض قبل أن نحل مشكلة التشوهات الخلقية.

بعض الأمور التي يعتبرها الناس كماليات في عمليات التجميل هي مهمة للبعض الآخر، ولها حيثيات مختلفة، فمثلاً تأتي فتاة بالغة أو متزوجة وعندها ضمور في منطقة الصدر (الثديين)، وقد يقلل ذلك من أنوثتها، خاصة إذا كانت متزوجة، ويسبب لها عقدة نفسية وضيقاً قد لا يدركهُ الآخرون ولا يعتبرونه أمراً مهمًّا، لكن المتزوجة التي تعاني من هذا الموضوع تشعر بالنقص ولا تشعر أنها تبرز أنوثتها لزوجها، كما هو الأمر الطبيعي مما يؤثر على نفسيتها وعلى حياتها الزوجية، فإذاً ستعيش هي حياة أسعد، أيضاً هناك نساء لديهن أثداء كبيرة مترهلة وتشكل عبئاً كبيراً على الجسم وتؤدي إلى أمراض وانزلاق غضروفي في الظهر وعلى العمود الفقري.

فلا يأتي أحد لإجراء عملية تجميلية دونما أن تكون لديه مشكلة، و نتكلم هنا عن الأغلبية العظمى للناس وليس عن استثناءات قليلة جدًّا.

كما قلت أرى أن العمليات التجميلية جائزة، وليس فيها تجاوزات شرعية كما يظن عامة الناس. المريض يأتي لنا واسمه عبد الله ويخرج كما أتى.. عبد الله هو هو لا يتغير عليه شيء والاعوجاج أو الانحراف فقط يُعَدَّل. ولو كنا نغير في خلق الله لنزعنا الأنف ووضعناه في مكان آخر!! ولا أظن أن الناس عامة تعارض هذه المسائل، ولكنها تبحث عن مخرج شرعي حتى تشعر بالاطمئنان؛ لأنها تخشى الحرام.



القول بأن جراحة التجميل تعتبر تدخلاً في إعجاز الخلق، يُعَدُّ تجاهلاً لكون الإعجاز والإبداع يبدأ لحظة الإخصاب بخلية واحدة لتنتهي بعد تسعة أشهر من الحمل إلى آلاف البلايين من الخلايا التي وُضعت بإتقان لتعطي آلاف الوظائف الفريدة المذهلة، وما تقوم به جراحة التجميل هو إضافة لمسة جمالية على إحدى هذه الوظائف. وما خَلْق الإنسان على عَظَمَته إلا جزء يسير من خلق كون مذهل يتميز كذلك بالجمال والإبداع، ولا تستطيع أن تقول إن استعمال المكيف لجعل جو البيوت لطيفاً هو تدخل في صنع الله؛ حيث إن الحر من صنع الله؛ لذا فإن الإسلام لا يعارض الحاجة التي تجعل الإنسان أكثر راحة وإنتاجاً وسعادة، وننهي قولنا بالحديث الشريف: \"إنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمال\". [font=\"Arial\"]د. محمد أحمد الروبى


بين التجميل وعلاج النفس:
إن هذه القضية تقلق الجراح والمريض معًا من أجل تحري الحلال من أجل الاستمتاع بالجمال؛ لأنها ترتبط بالخلق، وقد زادت عمليات التجميل في الفترة الأخيرة بالفعل بسبب وسائل الإعلام والتكنولوجيا الطبية المتطورة، وصاحبها اختلاف الناس حولها بحجة أنها غير شرعية، وأنها تغيير لخلق الله، ولكننا كمتخصصين في جراحات التجميل نستطيع أن نقسم جراحات التجميل إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: تبلغ نسبته أكثر من ٦٠% ويسمى جراحات تكميلية أو تعويضية، وعن دخول عمليات ختان البنات في هذه الفئة أن الطبيب يستطيع أن يحكم هل هذه الطفلة تحتاج إلى إجراء عملية ختان أم لا بالكشف عليها، ويؤكد أن أغلب البنات لا يحتجن لهذه العملية، فالخفض لا تحتاجه إلا القلة التي لديها بروز استثنائي، وإلا كان الختان داخلاً في نهي الرسول صلى الله عليه وسلم: \"ولا تنهكي\".

والقسم الثاني: تبلغ نسبته ٣٠% ويحدث نتيجة التقدم في العمر وحدوث تغيرات على ملامح الإنسان؛ حيث يفقد صفاته الجمالية مع تقدم العمر كحدوث ترهلات في الأرداف أو أن يكون وزن ثدي امرأة أكثر من خمسة كيلوجرامات، هذه بالطبع تحتاج عملية تجميل لصعوبة أن يتحمل العمود الفقري كل هذا الوزن. أو وجود ترهلات في منطقة البطن لكثرة الحمل والولادة وحدوث بعض المشاكل الزوجية بسبب هذا الوضع؛ الأمر الذي قد يؤدي إلى تفكك الأسرة حسبما يرى الطبيب، وهنا ُيضطر أن ُتجري العملية؛ حفاظًا على تماسك الأسرة بإعادة بعض جمال ورشاقة المرأة التي فقدته، والتي يهددها زوجها بالبحث عن غيرها رغم وجود أسرة مستقرة وأولاد، وغير ذلك مما يؤهل الطبيب بخبرته أن يحدد مدى حاجة الحالات أمامه لإجراء عملية تجميل من عدمه.

والقسم الثالث: والأخيرة فهي عمليات التجميل من أجل التجميل، وتبلغ نسبتها ١٠% الباقية، وأغلب هذه المجموعة لا يكون علاجهم عند جَرَّاحي التجميل، بل عند الطبيب النفسي لسيطرة بعض الحالات المرضية على نفسيتهم؛ حيث يعاني المريض من شيء لا وجود له إلا في ذهنه هو فقط، ويحاول الجراح إقناعه بذلك، لكنه لا يستوعب فيرسله جراح التجميل إلى الطبيب النفسي مباشرة

وهناك نسبة ٥% من الـ١٠% من جراحات التجميل هذه حرام شرعًا ولا جدال فيها؛ لأن الهدف منها مجرد الشياكة والنمنمة وتقليد الغرب، وهذه الحالات نرفع - نحن أطباء جراحة التجميل - في وجههم الكارت الأحمر؛ حيث يأتي المريض ومعه موديل أو صورة يريد أن يجعل أنفه مثلها أو فمه أو حتى عينيه.

وحول عمليات التجميل التي تحول الجنس إلى الجنس الآخر الذكر إلى أنثى والعكس: هذه المشكلة تقسم إلى مجموعتين: المجموعة الأولى هي التي يعاني أفرادها من مرض اضطراب الهرمونات وخلل في الجينات، والطبيب يستطيع تحديد جنس هذا المريض بكل سهولة ويسر، وفقًا لنتائج التحاليل الهرمونية التي تؤكد إما غلبة الهرمونات الأنثوية أو العكس، وكذلك غلبة وجود الأعضاء التناسلية الأنثوية أو الذكورية، ويكون التقرير للجنة علمية بعيدة تمامًا عن الطبيب الذي سيُجْرِي العملية، وليس لهم مصلحة في إجراء العملية من عدمه وبناء على ذلك التقرير يتم اتخاذ القرار.

بينما المجموعة الثانية وهي التي تعاني من اضطرابات أخلاقية وسلوكية وشذوذ جنسي أو خلافه وتمرد على القيم والأعراف والدين، وهذا الصنف لا يمكن أن نجري له العملية إطلاقًا طبقًا لهوى البشر كما في بلاد الغرب؛ لأننا تحكمنا تعاليم ديننا وعادتنا وتقاليدنا!

وعن العلاقة بين جراحة الجسم إلى مستوى النفس والروح \"إن جراحة التجميل إذا كانت ضرورية لتقويم عاهة أو تشوه خلقي أو طارئ بسبب حادثة فإن الأمر يكون طبيعيًّا\".

فمعايير الجمال تختلف حسب كل منطقة وكل تجمع بشري، غير أن منطق الموضة ومعيارية الجسد \"الغربي\" كما يفرضه الضغط الإعلامي في السينما والتليفزيون جعل الفرد أصبح يتجه أكثر فأكثر للاستجابة لتحسينات معينة، ولو لم تكن ذات فائدة حقيقية، والقضية مفتاحها الوعي بالذات وقيمة الجوهر، وإلا ظل الإنسان يلهث وراء السراب\".


بعض آراء العلماء:
أ.د علي الصوا / أستاذ أصول الفقه

تعديل المخلوق إلى أصل خلقته جائز شرعًا؛ لأن هذا الخلل نتاجٌ غير طبيعي على خلاف الفطرة التي يخلق الله عليها الناس.

أما عن قضايا تحويل الجنس، ونقل الأعضاء، وغرس الأسنان، وزرع الشعر، والختان وزرع القرنية، وتكبير الثدي وتصغيره، أو تصغير الأنف وغيرها من الجراحات التجميلية الأخرى كعلاج تشوهات الحروق والحوادث أو بعض العيوب غير الفطرية من أهم القضايا المطروحة أمام جراح التجميل. من الذي يحدد أن هذا الشيء جميل أو غير جميل؟

جراحات التجميل بكل صورها المتعددة تجعل الإنسان المسلم وراء الطبيب المعالج أو المريض - يسعى لبحث مشروعية هذا من عدمه.

أما الشيخ جمال قطب - رئيس لجنة الفتوى السابق بالأزهر الشريف- فله رأي في جراحات التجميل؛ حيث يعترض على لفظة جراحات التجميل بسبب العيوب الخلقية، ويفضل بدلاً منها القول جراحات تقويم بسبب عيوب فطرية ناتجة عن الخطأ في النظام الغذائي أو النظام الرياضي أو بسبب عامل وراثي نتج عنه زيادة إصبع أو نقص إصبع أو أكياس دهنية أو ما إلى ذلك.

ويُعَرِّف الشيخ جمال الفطرة بأنها الأمر النظامي أو النموذج المعتاد عليه الذي جبل الله أكثر الناس عليه: (فِطْرَة اللهِ الَّتِيْ فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا)، وهذه العيوب بسبب حدوث خلل معين أدى إلى وجود ذاك العيب، والإسلام لم يمنع الإنسان من التمتع بالجمال؛ حيث قال النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الله جميل يحب الجمال)، ومن الناحية الشرعية لا يوجد مانع شرعي يحرم الجراحات التكميلية؛ لأن القاعدة الشرعية تقول: (لا ضرر ولا ضرار)، حيث إن تهذيب الأمور إلى طبيعتها وعودتها إلى أصول الفطرة التي فطر الله الناس عليها دون تعدٍّ أو تغيير لخلق الله هي الفطرة التي خلق الله الناس عليها، ويتساءل: هل مع التطور التكنولوجي والتقدم الطبي الذي نعيشه نترك الإنسان يعاني المرض ويصبر عليه أم تجرى له عملية تجميل؟!

ولعل السيرة النبوية تؤكد أن الرسول عليه الصلاة السلام كان أول من أجرى عملية تجميل عندما أصيبت عين الصحابي الجليل \"أبي قتادة\" في إحدى الغزوات فعميت، فقال له الرسول عندما جاءه يشتكي \"إن له عينًا في الجنة\"، فقال أبو قتادة: إني أريد أن أتزوج، وهذا يعيبني، فعالجه الرسول صلى الله عليه وسلم فعاد بصره بفضل الله.

ويقول الشيخ جمال قطب: إن عمليات التجميل من أجل التجميل محرمة شرعًا؛ لأن الله فطر الناس ليسوا كلهم على شكل واحد بل منهم الأبيض والأسمر، كما أن هناك نسبة وتناسبًا بين العين والفم والأنف وبين جميع الأعضاء، وهو قدر نهى الخالق عن تغييره أو اتباع خطوات الشيطان الذي توعد بني آدم بأنه سيأمرهم ليغيروا خلق الله ، وهذه يرفضها الإسلام إلا بالدليل الطبي القاطع والبرهان كما أوضحنا آنفا!.

بينما يؤكد د. عبد الرحمن العوضي - رئيس الجمعية الطبية الإسلامية - أنه بالنسبة لتغيير الجنس لا يجوز كليةً تغيير الجنس؛ لأنه سيثير خلط الأنساب، ويؤدي إلى حدوث بلبلة في مسألة الميراث؛ ولذلك فقد أجمع الفقهاء على أنه إذا كان الشخص المخنث يحمل الجنسين يتم تحويلة إلى الجنس الغالب عليه، إلا أنه لا يجوز أصلاً في حالة الإنسان الطبيعي غير المخنث الذي لديه هوى واعوجاج فطرة في هذه المسألة؛ فإجراء هذه العملية لهم حرام.. حرام.. حرام.

أما بالنسبة لجراحات التجميل عمومًا فإنها ليست حرامًا على إطلاقها طالما الجراحة لم تغير من خلق الله شيئًا، فضلاً عن أن جراحات تجميل التشوهات لا مانع أن تتم ولكن بحذر، مع الوضع في الاعتبار أنه لا يجوز التقليد للغرب في هذه الجراحات الحساسة التي يغير فيها الإنسان رجلاً كان أو امرأة من خلق الله نتيجة لانحراف في السلوك والأخلاق.

وقال بالنسبة لختان البنات: إنه مما يؤسفنا أن يعتبر البعض ختان البنات أمرًا إسلاميًّا ملزماً، والرسول صلى الله عليه وسلم أمر بـ\"اخفضي ولا تنهكي\"، والرأي الثابت لدينا أننا لا نجيزه إلا بقرار طبي يرى فيه المتخصص حاجة؛ لأن فيه إيذاء للمرأة في المستقبل.

الشيخ عبد الباري الزمزمي أحد أبرز علماء المغرب المعاصرين يقول: \"التجميل له داعيان: أحدهما يكون التماسًا للحسن وطلبًا لتجميل الصورة، وثانيهما يتعلق بمعالجة التشوه الخلقي وإصلاح الآفة الطارئة على البدن. أما التجميل طلبًا للحسن فهو محرم تحريمًا قاطعًا؛ لأنه من عمل الشيطان وخطواته كما قال عز وجل: \"وَإِنْ يَدْعُوْنَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَرِيْدًا * لَعَنَهُ اللهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيْبًا مَفْرُوْضًا * وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ\" محرم حتى على الحيوان.

من أجل ذلك حرَّم الرسول صلى الله عليه وسلم كل تغيير لمعالم الوجه إذا كان فقط طلبًا للتجميل والتماسًا للحسن، كالوشم والوصل والتفليج والتنمص، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: \"لعن النبي صلى الله عليه وسلم الواصلة والمستوصلة والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله\".

أما التجميل المباح فهو إذا كان علاج لتشوه خلقي يولد به الإنسان، أو تعرض لحادث نتج عنه تشوه في الجسد كاحتراق بالنار، ودليل ذلك قوله تعالى في زكريا: \"وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَه\" قال بعض المفسرين كان لها أسنان طويلة، وقال آخرون كانت عقيمًا فأصلح الله ما بها من عيب.


موقف الإسلام من عمليات التجميل:د. محمد الروبى:
ما من كائن حي إلا وتعتريه الصحة والمرض، والإنسان يتعرض لما يتعرض له غيره من صحة ومرض، وهو في مرضه تعتريه حالات معينة تأخذ أحكامًا شرعية؛ لأنه يمتاز عن غيره من الكائنات بالتكليف والعبادة التي تتطلب أفعالاً مخصوصة وحالات معينة، لا بد من مراعاتها حتى تكون عبادته صحيحة وعمله متقبلاً، لهذا كان من الضروري بيان تلك الأحكام ووضعها أمام المسلم المريض وأمام الطبيب المعالج؛ ليكون الجميع على علم بها تيسيرًا على المسلمين وراحة لنفوسهم.

أن كثيرًا من الأحكام الشرعية تحتاج في تقديرها إلى طبيب ثقة يقدر فيها المرض الذي يعوق الإنسان عن أداء العبادة أو يخففها أو يعطيها حالة معينة تبعًا لحال المريض أو يؤجلها إلى حين الشفاء، ومن ثم كان لزامًا على المريض أن يسترشد بأمر الطبيب في شفاء علته وفي كيفية أداء عبادته تبعًا لحالته المرضية الملازمة له أو العارضة.

على أن هناك بعض الأعمال الطبية التي لا تكون عن علة أو مرض ظاهرين، بل المقصود منها إصلاح بعض العيوب والتشوهات التي قد يولد بها الإنسان، وذلك كمن ولد مشقوق الشفتين أو عنده إصبع زائد، أو قد تحدث للإنسان كالحوادث والاعتداءات والحروق التي تقع على جسم الإنسان وتحدث له آلامًا نفسية جراء ذلك، ومع تقدم الطب في العصر الحديث وجدنا عمليات جراحية تعيد الوضع إلى حالته الأولى أو إلى وضع يريح نفسية المريض، وهذا النوع من الجراحات يسمى في العصر الحديث بالجراحات التجميلية، وبالبحث والتقصي نجد أن هذا النوع من الجراحات ليس وليد هذا العصر، بل كان للعرب والمسلمين السبق والريادة في هذا المجال، ووضعوا اللبنات الأساسية التي ارتكز عليها العلم الحديث.

والدليل على ذلك ما جاء في كتاب \"تاريخ الطب والصيدلة عند العرب\" عن موضوع تقويم الأسنان: \"إذا نبتت الأضراس على غير مجراها الطبيعي؛ فتقبح بذلك الصورة، ولا سيما إذا حدث ذلك عند النساء والرقيق، فينبغي أن ينظر أولاً إن كان الضرس قد نبت خلف ضرس آخر، ولم يتمكن من نشره أو برده فاقلعه\".

فنشر الضرس المعوج أو برده بالمبرد هو في ذاته نوع من العمليات التجميلية، وهذا ما يدلنا على أن للجراحة التجميلية تاريخًا عند العرب.

إن الغرض من الطب أحد أمرين هما: حفظ الصحة الموجودة، وإزالة العلة أو تقليلها قدر الإمكان، يقول العز بن عبد السلام: \"الطب كالشرع، وضع لجلب مصالح السلامة والعافية، ولدرء مفاسد المعاطب والأسقام\".

وعلى ذلك يكون التداوي في الشريعة الإسلامية أمرًا مشروعًا ومندوبًا إليه، ولا يختلف الأمر هنا في جراحات التجميل؛ لأن ترك هذه التشوهات في بدن الإنسان يؤثر على نفسيته ويقلل من شأنها ويضعفها، والرسول صلى الله عليه وسلم- في هديه في علاج المرض أمر بتطبيب النفوس وتقوية القلوب، فقد روى ابن ماجه في سننه من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: \"إذا دخلتم على المريض فنفسوا له في الأجل، فإن ذلك لا يرد شيئًا، وهو يطيب نفس المريض\" وفي هذا نوع شريف جدًّا من أنواع العلاج، وهو الإرشاد إلى ما يطيب نفس العليل من الكلام الذي تقوى به النفس وتنتعش به الصحة، فيساعد ذلك على دفع العلة أو تخفيفها التي هو غاية الطب، أما إذا وجدت هناك تشوهات في البدن فإنها تدخل الهم والغم إلى النفس وتجعل النفس في حزن دائم؛ لأن النفس دائمًا تنزع إلى الكمال.



وتنقسم عمليات التجميل إلى ثلاثة أنواع:

النوع الأول:

وهو ما تدعو إليه الضرورة من تصحيح وتعويض في البدن نشأ عن حادث أو اعتداء، وذلك كالحوادث والحرائق التي ينتج عنها بتر عضو، أو تشوه، وعن طريق الجراحة بوساطة الأطباء المهرة يمكن إصلاح كثير من العيوب وإعادة الصحة المفقودة وإزالة العلة أو تخفيفها.

النوع الثاني:

وهو ما تدعو إليه حاجة التداوي من إصلاح العيوب الخلقية التي تولد مع الإنسان وتسبب لصاحبها أذى نفسيًّا ويمكن الأطباء أن يعيدوا الحال إلى ما كان عليه قدر الإمكان، وذلك مثل عملية التئام الشفتين المفتوحتين أو إحداهما عن طريق الجراحة التجميلية، أو العلاج من السمنة المفرطة، ونحو ذلك مما تدعو إليه حاجة الناس، وتدفع عنهم الألم النفسي، وتذهب عنهم الهم والغم.

النوع الثالث:

وهو ما لا تدعو إليه الحاجة، ولكن يُقصد بها الغلو في مقاييس الجمال، وذلك كترقيق الأنف أو تفليج الأسنان أو نمص الحاجب أو نحو ذلك، فهذا النوع من الجراحات لا تدعو إليه الضرورة بل يدخل في دائرة المنهي عنه في الحديث الشريف الذي رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: \"لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات والفالجات والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله تعالى\".

وملخص ذلك د. محمد أحمد الروبى: أنه لما كان الطب كالشرع وضع لجلب مصالح السلامة والعافية، ولدرء المفاسد والأسقام، ولدرء ما أمكن درؤه من ذلك ولجلب ما أمكن جلبه، وحيث إنه تدعو الضرورة إلى النوعين الأولين، فإنه يمكن القول: إن هذين النوعين يدخلان في إطار مشروعية التداوي وذلك بخلاف النوع الثالث، فإنه لا تدعو الحادة إليه، ومن المقرر شرعًا أن الحاجة تنزل منزلة الضرورة شرط ألا تتعدى القدر الذي يدفع تلك الضرورة أو الحاجة.



والله (سبحانه و تعالى) و رسوله (صلى الله عليه و سلم) أعلم
بواسطة : meabdullatif
 0  0  867